وعلى ما تقدم فإن أقصى ما يستفاد مفهوما من قوله عليه السلام (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية) أنْ إذا خاف على نفسه القتل جاز له الإضرار بالغير تقية بالغًا ما بلغ الإضرار إلا القتل، أما إذا خاف على نفسه غير القتل فالخبر ساكت ولا إطلاق له يقتضي مشروعية ما دون الدم من إضرارٍ بالغير تقيةً، إذ إن مفهوم السالبة الكلية موجبةٌ جزئية لا كلية، فقولك (لا إنسان في الحجر) ليس مفهومه (كل ما ليس بحجر إنسان) بل مفهومه (بعض ما ليس بحجر إنسان) وكذا هنا فمقولة (لا تقية في الدم) ليس مفهومها (في كل غير الدم تقية) بل مفهومها (في بعض غير الدم تقية) فلا بد حينئذ - أي إذا أكره على غير الدم - من الرجوع إلى أدلةٍ أو إطلاقاتٍ أخرى لتحديد حكومة أيٍ منها على أيٍ في هذا التزاحم.
فمن الأصحاب من اختار ما اختاره الشيخ وهو تجويز غير القتل من الإضرار بالغير مطلقًا إذا كان عن إكراه حتى لو كان الضرر المتوعد به أقل بمراتب من الضرر المكره عليه.
ومنهم من منع مطلقًا (النراقي)
ومنهم من فصَّل فجوَّز إذا كان الضرر المتوعد به أعظم أو مكافئ للضرر المكره عليه، ومنع ما إذا كان أقل أو أخف منه.
ومنهم فصَّل فجوَّز ما إذا كان الضرر المتوعد به مباحًا في نفسه كإعطء المال ومنع ما إذا كان حرامًا في نفسه كالزنا. (الخوئي)
الشيخ الحبيب: نقول في كلٍ من هذه الأقوال مناقشات والحكم بها متقلقل وبعضها استحساني، وهذه على أيةِ حالٍ مسألة خارجةٌ عن بحثنا، إنما كان المراد تبديد تصور أن في خبرنا إطلاق يسوغ الإضرار بها دون الدم تقية في غير ظرف الخوف على النفس؛ فتبيَّن أنه لا إطلاق له في ذلك، إذ هو ساكت عنه.
* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.